
اليمامة - خاص
في البصرة كما ذكرت مصادر التاريخ ما يعادل 635 نهراً حتى أطلق عليها سابقا ببندقية العرب او فينيسيا الشرق من قبل الرحالة القدامى وأطلق عليها الكلدانيون تسمية (بصرياثا) وتعني هذه الكلمة كثرة الانهار والقنوات فيها لكن ابرز هذه الأنهار هو نهر العشار الذي أعطى للمدينة رونقا خاصا جعلها كالجنة المحاطة بالمياه..
لقد وصف الرحال الهولندي (فنهولت عام 1866م) القناة التي تحف بها الرياض وأشجار النخيل، ضاحكة الوجه الى حد ما تؤلف منظراً شاعريا،ً كذلك قال القنصل الروسي عام( 1912م) البصرة الشريان الرئيسي لحركة البضائع والركاب بين المدينة والنهر وضفاف العشار غاية في الجمال، في حين قالت (الليدي دراور عام 1919م) في مقدور المرء أن ينتقل فيها من بيته الى احد القوارب مباشرة ثم يطلب من القارب أن يوصله الى دكاكين العشار، ماراً تحت الجسور أو سائراً في محاذاة الشارع.
بعد ان كان رمزا لجمالية أنهار البصرة..نهر العشار يتحول الى مكب للنفايات عبّر مواطنون في مدينة البصرة عن أسفهم جراء تحول نهر العشار الذي كان يتميز بعذوبة مياهه الى مكبّ للنفايات ومستودع للتخلص من مياه المجاري وهو نفس المصير الذي واجهته في السنوات الأخيرة أنهار أخرى تتفرع من شط العرب.
وتتقاذف الجهات الرسمية المعنية بتحسين بيئة تلك الأنهار وخصوصاً مديريات المجاري والبيئة والبلدية والموارد المائية المسؤولية منذ سنوات ولم تتفق حتى الآن على تنظيفها بجهد مشترك.
وفي ظل عدم اعتراف الجهات الرسمية بتقصيرها حيال تلك الأنهار التي أخذت تتجه بسرعة نحو الاندثار فان أحداً من المواطنين لايرغب حالياً بالسير قرب ضفافها بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها كما انها أصبحت مصدر إزعاج دائم لسكان المناطق السكنية والتجارية القريبة منها وتحولت الى أماكن لتكاثر القوارض والحشرات.
ونهر العشار هو احد الأنهار الأربعة الرئيسية في البصرة وسمي بهذا الاسم نسبة لجباية ضريبة العشر التي تؤخذ على المحاصيل الزراعية استنادا الى الوثائق العثمانية، ويقسم نهر العشار منطقة العشار الى نصفين حيث قديما امتاز بصفاء مائه وجماله وكانت الأشجار والبيوت الجميلة والشناشيل والدكاكين على طرفيه والزوارق الكثيرة التي تجوبه محملة بالبضائع إضافة الى الثروة السمكية الكبيرة التي كان يحتويها وكان يوجد بين مسافة وأخرى مدرجات للوصول الى النهر يستعملها أهالي البصرة للركوب في الابلام (يطلق عليها البلم العشاري) والتي تمتاز بسعتها عن الابلام الأخرى التي في شط العرب مثلاً من حيث سعة عدد الأشخاص حيث تستخدم للتنقل أو التنزه أو نقل البضائع.
وتقطع النهر عدة جسور أهمها وأبرزها هي جسر المقام عند جامع المقام ويليه جسر الهنود أو المغايز الذي كان خشبيا جنب سوق المغايز والصيدليات وجسر باور هاوس وجسر الغربان عند متوسطة البصرة وهناك جسور مشاة كثيرة أبرزها جسر يامين (الصبخة الكبيرة) عند شناشيل البصرة، كما تقع على النهر العديد من البنايات والأماكن المهمة ففي صدر نهر العشار تشاهد سجن السراي ومخفر سوق الدجاج ومحلة سوق الدجاج والبنك العربي الذي يقع على ضفة نهر العشار (نهر الأمير) وبناية الكمرك في فوهة النهر ولحظة مرورك قرب جسر المغايز تشاهد ساعة سورين المستديرة السوداء مقابل عمارة النقيب والتي أزيلت في زمن محافظ البصرة محمد الحياني زمن حكم الرئيس عبد الكريم قاسم التي لم يبق منها سوى الصور والذكريات، كذلك تشاهد بالقرب من هناك محال الكرزات والمقاهي والسينمات كسينما شط العرب الصيفي وسينما الحمراء الشتوية، ويوجد أيضاً ساحة لنقل الركاب الى البصرة القديمة وأبي الخصيب بجنب عمارة النقيب (مقابيل جسر الكويت حالياً) تحيط بها عدد من محال الأجهزة الكهربائية كمخزن حافظ القاضي ومخزن السيد عبد الشطري (مخزن تجهيزات اللواء) الذي كان يتوسط هذه الساحة، كما يوجد قديما العديد من الفنادق على نهر العشار أهمها فندق عراق بالاس في محلة السيف وفندق جميلة بالاس وفندق كرانداوتيل وفندق الميناء الذي يقع في محلة البجاري.
ولقد تم حفر نهر العشار في عهد الوالي العثماني محمد هدايات باشا عام 1878م من مدخل شط العرب حيث كانت بناية مديرية الكمارك هناك ثم أعيد تنظيفه في زمن عبد الله باشا عام 1890م وشارك في هذه العملية الآلاف من أبناء الفلاحين والعشائر واستمر مسلسل التنظيفات للنهر نتيجة كثرة تراكم الترسبات في تلك الفترة وخسارة الكثير من أجزائه فنظف وفي عهد الوالي فخري باشا عام 1904م ثم مرة أخرى في عهد ولاية الوالي سليمان النظيف الذي تولى الحكم في تشرين الثاني عام 1910، كما طور في عهد الملكية في زمن الملك فيصل الأول وكذلك في عهد الملك غازي الابن الأكبر للملك فيصل وكذلك خلال فترة وصاية الملك عبد الاله في زمن الملك فيصل الثاني حيث تم وضع السياج الحديدي وتبليط جوانب رصيف النهر، وخلال هذه الفترة تم حفره من جديد في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل سجناء سجن البصرة بعد أن أغلق بواسطة سدة لمنع تدفق المياه إليه وتم فتحها بعد الانتهاء من عمليات الحفر التي وصلت الى منطقة الصبخة في البصرة القديمة، كما شهد النهر الكثير من التطويرات خلال الحكم الجمهوري لكنها قلت بعد حرب الخليج الثانية حيث كان أخرها عام 1989 بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية حيث تم رصف ضفاف النهر بالحجر وإنشاء جسر مقابل مبنى المحافظة القديمة.
وبعد احتلال العراق عانى نهر العشار النسيان والإهمال حاله كأغلب انهار محافظة البصرة حيث افتقد لأبسط الخدمات وخسرت البصرة الكثير من جماليتها بسبب تلوث مياه هذا النهر بمياه المجاري وتراكم النفايات فيه !! كما خسرت الكثير من الأشجار والأبنية والتي كانت قديما تحيط به، وأصبح نهر العشار مصدرا لكثير من الأمراض!!.
السؤال الذي نطرحه هنا على المسؤولين والقائمين في محافظتنا العزيزة ما الفرق بين زمن ولاية عبد الله باشا والوقت الحالي؟ فأهل البصرة وعشائرها نفسهم .. أصحاب الطيبة والحب والوفاء والغيرة على محافظتهم وأنا متأكد لو وجدوا الدعم من المسؤولين لشهدنا الكثير من المتطوعين الغيورين على بصرتنا الحبيبة كما حدث سابقا فنحن في زمن أكثر تطوراً في المعدات , والبصرة والحمد لله تشهد استقرارا امنياً شبه تام، أفليس هذا هو الوقت الحقيقي لنعيد بصرتنا كما كانت قديما ونهر العشار يستحق اكثر من تغييرات أرصفته بالأحجار الملونة او تطوير العدد القليل من ذنائبه وأهل البصرة يستحقون الحياة الطيبة الجميلة بعد ما عانوه من ظلم الحروب السابقة وعمليات النهب والتخريب التي شهدتها البصرة. ودعا موطنون من البصرة دوائر الموارد المائية والبلدية ودائرة ماء ومجاري البصرة الكف عن تبادل الاتهامات والانصراف الى مسألة أحياء أنهار البصرة خشية موتها واندثارها.
