آخر الأخبار

غمائم سود تخنق مدينتي


كاظم فنجان الحمامي

كلما خرجت من البصرة وذهبت إلى صحراء الرميلة، تطوقني تلك السحب السود. تلتف حولي كما الأفاعي. تزعجني بخطوطها القاتمة الملتوية. تمنعني من الاستمتاع برحلتي، فأتذكر قصيدة نثرية كتبها شاعرنا المبدع تميم البرغوثي. يقول فيها: دخان كثيف. يوزن بالأطنان. يعبر الخرائط. إن ترفع يدك لا تراها، والناس يصدم بعضهم بعضاً كسيارات الملاهي. فان تتبّعتَ الدخان إلى مصدره وصلت إلى غليون القيصر.
نعم يا (تميم) فغلاوين قياصرة النفط والغاز تنفث سمومها هنا في سماء البصرة، والناس يصدم بعضهم بعضا بسياراتهم التي لا تحمل أرقاماً. تتراكم السحب السود فوق سطوح مدينتي، وتزداد عتمة وسوادا كلما توجهنا شرقا نحو حقول (مجنون). أو كلما توجهنا غرباً نحو حقل (الزبير)، فالقبة السماوية الواصلة بين حدودنا مع الكويت وحدودنا مع إيران، صارت متشحة بسواد مخيف، ينذر بوقوع كوارث بيئية لا حدود لها، ولا يمكن التكهن بنتائجها المرعبة. الأمر الذي يستدعي استنفار الجهات المعنية بحماية البيئة لرصد هذه الانتهاكات الصحية، ومنع انتشارها وتفاقمها. لأنه من غير المعقول أن تُترك هذه السحب تتراكم فوقنا من دون رقيب ولا حسيب. نحلم أن نصحو يوما من نومنا، وقد انجلى الدخان الأسود من سماء البصرة. إذ تجثم غمامة من الملوثات النفطية فوق صدورنا. حجبت تمتعنا بالهواء النقي.
نقترب قليلاً من مصادر الدخان الكثيف فتمنعنا الأسلاك الشائكة، ويخيفنا رجال الدوريات النفطية بوجوههم المقنعة، وعيونهم المبرقعة، ورؤوسهم الحليقة. هناك في تلك المفاوز المفتوحة. تنتشر مخيمات الشركات الأمريكية بالطول والعرض، تبهرنا أنوارها الليلية. يزعجنا دوي محركاتها العملاقة. الأمريكان في كل مكان، حتى يُخيل إلينا أننا نعيش خارج مخيماتهم، وكأنهم يمتلكون هذه الآبار والحقول النفطية الغنية بالثروات. أو كأننا نتطفل عليهم.
لم يعد النفط نعمة من نعم الله. بل نقمة جلبت لنا الكوارث السياسية المتوالية. ربما هي لعنة ظلت تطاردنا منذ اكتشاف النفط لأول مرة في صحراء (مسجدي سليمان) وحتى يومنا هذا. هي لعنة أدخلتنا في حروب مُهلكة. حرمتنا من استحقاقاتنا الحضارية. ثم حملت لنا دخانها وسحبها الثقيلة لتخنقنا، وتسمم أجوائنا بملوثاتها الزفتية، وتسوّد عيشتنا.
أتساءل أحيانا. كيف يعيش الناس في المناطق المحيطة بحقل (دخان) القطري ؟، فمنذ عام 1940 وسحب الدخان الكثيف تتصاعد من حقل (دخان). أغلب الظن أن الناس ماتوا خنقاً بغازات البروبان والبنتان والبيوتان والدخان. فما بالك بمن يعيش الآن تحت وطأة دخان حقول (الزبير)، ودخان حقول (مجنون) التي نشرت فيروساتها المجنونة في أقصى الجنوب ؟.
يقولون: أن وزارة النفط وقعت عقداً، في (23 تشرين الثاني 2011)، مع شركة شل لمعالجة الغاز المصاحب للنفط في الحقول النفطية الجنوبية بعد موافقة مجلس الوزراء في (15 تشرين الثاني 2011)، على تأسيس شركة غاز البصرة، التي ستتولى معالجة الغاز المصاحب للنفط من حقول (الرميلة - الزبير - غرب القرنة) بالمشاركة مع شركة غاز الجنوب المملوكة لوزارة النفط بنسبة 51%، وشركتي رويال دتش شل 44% ميتسوبيشي اليابانية بنسبة 5%. لكننا لا نرى أي تحسن في أجواءنا، التي فقدت نقاوتها بسبب بشاعة السحب، وتصاعد أعمدة الدخان التي أصبحت أكثر سواداً وعتمة من ذي قبل.

0 التعليقات

المناقشة والتعليقات