اليمامة - خاص
من اللافت إن مكتبات البصرة تفتقر للكتب التي توثق المدينة ، سوى كتاب أو كتابين لا يخلوان من السلبيات الكثيرة لدرجة ان ما مثبت فيهما لا يصلح أن يكون توثيقاً بمعنى التوثيق ، وان ما ذكر في (بعض) المصادر من معلومات وأرقام ، تحتاج إلى تحديث ، كذلك نجد ان ما تحتويه يعود إلى عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي !، أما المكتبات الأهلية فخالية تماماً من أي مصدر يتحدث عن البصرة وذلك في غاية الغرابة ، إذ كيف لمدينة مثل البصرة تمتلك ارثا ثقافيا كبيرا ، لا يوجد فيها كتاب أو على الأقل دليل سياحي أسوة بمحافظات صلاح الدين وبغداد وبابل ومحافظات عراقية أخرى مع كونها مدينة سياحية واقتصادية عريقة ؟
الأمر الآخر الذي يثير استغراب وتساؤل الكتاب والباحثين عن سر اعتماد مؤسسات معينة على شخصيات ذاكرتها أكل عليها الدهر وشرب ، لدرجة أن هذه المؤسسات ربما تقع في مأزق لان ما ذكره الكاتب الفلاني (غير دقيق) وبعضه لا يمت للواقع بصلة ، والسؤال هو: لماذا الاعتماد على شخوص معينين لا يمتلكون سوى معلومات ، لا تصلح للنشر حتى في صحيفة ناشئة لا تمتلك المعايير المهنية للعمل الصحفي ، فكيف الاعتماد عليها في مسألة مهمة الا وهي التوثيق لمدينة البصرة ؟ ، وهذا الكلام قد حصل وهناك أدلة وإثباتات تؤكد وتؤشر على أن هناك مجاملات قد حصلت في طباعة (بعض الكتب)! ، في حين أن في البصرة من الطاقات والإمكانيات قادر ة على البحث (الميداني) ، لا القيام بالتوثيق من داخل غرفة ذات أربع جدران والاستعانة بذاكرة متعثرة .
عن موضوع (التوثيق لمدينة البصرة) هناك وجهة نظر للكاتب البصري يطرحها على حكومة البصرة المحلية عسى ان تلاقي نوعا من الاهتمام في هذا الجانب وإطلاع المعنيين والمهتمين في مجال البحث والتوثيق (المهني) وتبصير المواطن البصري حول الإشكاليات التي تخص هذا الموضوع .. يقول مدير البيت الثقافي (عبد الحق احمد المظفر) لـصحيفة اليمامة ان وزارة الثقافة تبنت موسوعة خاصة بمدينة البصرة ، وأوكلت المهمة إلى البيت الثقافي البصري الذي قام بدوره باختيار مجموعة من الباحثين البصريين (الميدانيين) ، كما تم اختيار لجنة خاصة تظم مجموعة من الأساتذة الجامعيين ومختصين في مجالات مختلف ، هدفها الأشراف على البحوث التي ستتضمنها الموسوعة ، وأضاف ان جميع الاستعدادات الخاصة بالموسوعة من اختيار الباحثين وتوقيع العقود معهم واختيار اللجنة المشرفة وأمور أخرى كثيرة تم حسمها وان العمل الفعلي قد بدء ، وتابع قائلا: بعد سلسة من اللقاءات والاتصالات والاجتماعات اليومية مع الباحثين وأعضاء اللجنة المشرفة ، رسمت من خلاله خطة عمل تستمر لغاية نهاية العام الحالي ، وحول ابرز البحوث التي ستتضمنها الموسوعة ، قال : الموسوعة شاملة لكل تفاصيل الحياة البصرية ، على سبيل المثال هناك بحوث توثق البيوت والقصور التراثية والمقابر القديمة والمساجد والكنائس والمزارات لاسيما الأثرية منها وهذه البحوث ستكون من مهمة الباحث( باسم حسين) ، في حين أوكلت مهمة توثيق الفنون بجميع أشكالها ، من مسرح وسينما وتشكيل والفرق والفنون الشعبية إلى الباحث (عامر الربيعي) ، أما الحرف والصناعات اليدوية والألعاب الشعبية والأسواق والحمامات وغير ذلك إلى الباحث (داود سلمان الربيعي) ، وهناك بحوث تتعلق بالجانب الثقافي ستكون من همة الباحث (عبد الحليم مهودر) ، وهناك بحوث اخرى كثيرة . وعن دور الحكومة المحلية في دعم الموسوعة أوضح : أجرينا اتصالات مع عدد من المسؤولين ووجهنا كتب رسمية للبعض منهم ، للحصول على الدعم المناسب ، لأن هذه الموسوعة تعد وثيقة مهمة تؤرخ تفاصيل الحياة في مدينة البصرة.
فيما وجه الكاتب والصحفي (باسم حسين) انتقادات شديدة لبعض الجهات التي تبنت طباعة بعض الكتب لأنها تخلو من الدقة والموضوعية حسب رأيه ، وقال : ما هو مستغرب هو أن يجري استبعاد مؤلفي (البصرة عبق الماضي وأصالة الحاضر) لأسباب غير منطقية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : ان الجهة الراعية لمشروع طباعة الكتب الخاصة بمدينة البصرة (وهي مؤسسة حكومية) ، أبدت اعتراضها على الإشارة الواردة في فصل الألعاب الشعبية والتي ذكرت فيها أن كرة القدم لعبة شعبية ، معتبرة ان كرة القدم لعبة غير شعبية !! ، فضلاً عن الاعتراض على عدم إشارتي في فصل المهن والحرف القديمة إلى اسم أول بائعة (روبة) وكذلك أول عائلة (صنعت تنور للطين) وفي أي سنة ؟ !!، وأنا أعتقد بأن مثل هذه الأمور ليست بالأهمية التي تثار حولها الكثير من الإعتراضات !. هذه أمثلة بسيطة ، يمكن لأي منصف ان يقول : ان هذا التقييم غير حيادي ، وبعد فترة تبين ان هناك مخطوطة أخرى طبعت (مجاملةً) وكانت على حساب على مخطوطتي ، حيث أثارت هذه المخطوطات انتقادات لاذعة من قبل الأوساط الثقافية والأدبية في البصرة كما تبين أن مؤلفها وبعد طرح ذلك المطبوع الى الشارع اكتشف وجود أخطاء كثيرة ، فحاول الاستنجاد ببعض الشخصيات البصرية لغرض التصحيح ولكن بعد فوات الأوان .
ورداً على سؤال صحيفة اليمامة حول الآلية التي يمكن من خلالها التوثيق لمدينة البصرة ، أجاب الكاتب (باسم حسين) قائلا: اعتقد ان المشكلة تكمن في الجهات التي تدعم طباعة هكذا مشاريع ، منذ أكثر من خمس سنوات وأنا أقوم بمهمة توثيق القضايا المتعلقة بمدينة البصرة وقد قطعت شوطا كبيراً في هذا المجال رغم إمكانياتي الشخصية المحدودة ، لكنني إلى الآن لم أتمكن من طباعة سوى مخطوطة واحدة وعلى نفقتي الخاصة ، لذلك أتمنى على الجهات التي ترعى هكذا مشاريع ان تشكل لجنة محايدة ومتخصصة لتقييم الأعمال في المستقبل على اقل تقدير لكي نضمن حقيقة توثيق مهني يحمل في طياته الحب الحقيقي لهذه المدينة الطيبة ولأهلها الأصلاء ، لأن البصريين أبناء هذه المدينة وحدهم القادرين على أن يكتبوا بأمانة وصدق حقيقي لأن مدينة البصرة تستحق هذا التكريم والاهتمام . من جانبه نوه الفنان التشكيلي (احمد السعد) الى ضرورة وجود مؤسسات متخصصة في مجال البحث والتوثيق وقال : ما نلاحظه من اهمال لتوثيق تاريخ البصرة القريب قد يؤدي الى اندثاره بالتقادم ورحيل الرموز الانسانية التي تحتفظ بذاكرتها ماي ؤرخ لهذه المدينة الزاخرة بالرموز في كل المجالات ، واضاف : ان هذه المهة لاينهض بها الا مختصصون يمتلكون معرفة و ثقافة بحثية ، كما أننا بحاجة إلى مؤسسات علمية متكاملة لهذا الغرض ، بعد ان أثبتت مؤسساتنا التي يعول عليها كالجامعة عجزها عن معالجة هذا الأمر والدليل إن ما صدر عنها من موسوعة (ذاكرة البصرة) التي تنم عن ضعف في المعلومة الى جانب كثرة الأخطاء ويشاركها في ذلك كتاب آخر صدر في هذا المجال هو كتاب (عبير التوابل) للأستاذ احسان السامرائي، وكتاب فصول جديدة من تراث البصرة للمؤلف رمضان العيادة ، واختتم السعد حديثه بمطالبة الحكومة المحلية لتدارك هذا القصور والاهتمام بهذا الجانب قبل فوات الأوان حسب رأيه .
أما مدير فرع دار الشؤون الثقافية في البصرة (عبد الرضا إبراهيم البطاط ) فقد أشار إلى وجود مثل هذا التقصير ، اذ يقول : البصرة منبع للثقافة العربية لكننا في الحقيقة لا نرى أي اهتمام من جانب الحكومة المحلية في هذا المجال . ويضيف: ان عدم التوثيق للبصرة من الناحية الثقافية والحضارية لا نعرف أسبابه ، وهل هو تجاهل أم إهمال ، واختتم البطاط بدعوة الحكومة المحلية للاهتمام بتوثيق مدينة البصرة .
